التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قصص قصيرة جداً

عبدالوهاب لاتينوس
-------------------------------------------------------------------

(1 )

فقد شغفه بها ، فقد التوق إليها ، بعد أن غدا حبها بلا معنى ، بعد أن غدا حباً لا يجلب غير ركام الليل .

كان يريدها وجبة طازجة ، يلتهمها كلما شعر بجوع يدب في جسده ، وهي أيضاً تنظر إليه مِن نفس الزاوية ، وإن كان هناك إختلاف طفيف .

لم يكن يصدق نفسه ، أنه في يوم ما ، يفقد حبه إليها ، بريقه ، أن يبهت ، فيغدو مثل خرقة قماش ، نالت منها شمس آذار .

والآن كل ما تبقى ، هو فتات حب ، أكل منها الزمن ، ما تبقى هو إشتهاء جنسيٌّ فقط .

(2 )

هكذا ؛ فجأةً ؛ دون مقدمات ، نزع ملابسه ، كان يسير بخطى وئيدة بمحاذاةِ الطريق .

كانت شمس الأصيل تضرب جسده ، جاعلةً منه لوحة باهتة المعَالِم ، تتلقفها نظرات المارة بحنق مكبوت .

ما أثار غضبه ، وأجج النار في أحشاؤه ، كان قد تناهى إلى سمعه ، حديث نفر يقتعدون على حافةِ الطريق العام ، يلوكون كلام بغير إنتظام ، قال أحدهم : تم قتله لأنه لص ، لأنه عبد وكفى . حتى في بلاد الفرنجة يجلبون المشاكل .

دعس بقدمه اليمنى هذه المرة على غير عادته ، ما تبقى مِن سيجارته ، قبل أن يبتلعه آخر الشارع .

(3 )

دائماً ما كان يهجس بلا معنى لحياته ، بل لا معنى لوجوده أيضاً ، حين يجئ الليل ، فيهرب الضوء ، حاملاً معه صخب النهار ، فيجد نفسه في هوة ظلام لا حدَّ لها ، يلتفُّ حوله صمت كئيب يبعث على الرعب .

كيف لأحد أن يحيا لوحده ؟ أن يمشط ضفائر الليل بلا يدٍ ؟ وأن يعبر الجسر بلا أقدام ؟ أسئلة تتقافز في رأسه يمنةً ويسرةً ، دون أن تقبضَ على إجابةٍ مُفحِمة ، لا تدع مجالاً للسؤال لاحقاً .

الغربة ؛ هي لفظ مُرادف للموت ، دون مغالاة أو ذبح للغة . أن تكون خارج الوقت والمكان ، خارج الأرض ، لا تحس بطعم التراب يتغلغل في دمكَ ، ماذا تبقى لكَ حقاً لتكونَ إنساناً دعكَ مِن أن تكون حياً ؟ .

بعد خمسِ سنواتٍ بددته هباءً في البلاد البعيدة ، هو ذا الآن يتيماً ، لا جدار يتكئ عليه في آخر الليل ، لا أمرأة ، تهب إبتسامتها معنى لوجوده . كل ما تبقى هو شبح جسد شاحب بلا ملامح .

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لا تكتب ، على خطى بوكوفسكي... عبدالوهاب لاتينوس ----------------------------------------- الكتابة أمرٌ سهلٌ جداً ، ولكن إن لم تستطع أن تتحمّل وصمة العار إن لم تتقبل وصمة الإلحاد ، فلا تكتب . لا تكتب إن لم تتقبل وصمكَ بزيرِ النساء ، الماجن والمنحط الذي لا يعرف غير العهر والجنس . إن لم تستطع أن تقول الحقيقة كاملة عارية في وضحِ النهار ، فلا تكتب . لا تكتب أبداً ، إن لم تكن مستعداً لتخسرَ أمك وأبيك ، أن يطردك والدك ، بلا رحمة ، مِن المنزل في صباحٍ باكر ، فتشيعه بإبتسامةِ فخرٍ وتحدٍّ . لا تكتب ، إن لم يكن بوسعكَ إبتلاع تقريعات الجميع بلا مبالاة . أبداً لا تكتب ، إن لم ترَ الكتابة ؛ تجديفٌ ضد كل شيء ، حتى الرب . بحقِ الجنون ، لا تكتب ، إن لم ترَ الكتابة؛ جنونٌ مِن نوع آخر موتٌ مِن نوع آخر جحيمٌ مِن نوع آخر . صِدقاً لا تكتب ، إن لم ترها ؛ إنتحارٌ بعد ممارسة حب عاصفة . لا تكتب أبداً ، إن لم تهبكَ لذة الجنس إن لم تهبكَ لذة الإحتضار إن لم تحب ذلك ، فلا تكتب . لا تكتب ، إن لم تعشق رائحة الكتب التي تشبه رائحة الطمث . لا تكتب أبداً ، إن لم تحس يوماً برغ...

شذرات V

عبدالوهاب لاتينوس ---------------------------------- ثمة أمر وحيد لم أكن أطيقه في الليل ، هو أن أنظر مِن حولي فلا أرى أحداً يحدِّق فيَّ غير خيوطِ عناكب . لم أعشْ كثيراً بما يكفي ، لم ألثم نهد الحياة ، ولكنّي مستعداً أبداً للموت . في الليل قلبي ليس لي ، دائماً ما ينحاز إلى أمرأة . في الغالب ، نحن لا نفعل شيئاً فقط ، نقتل الوقت ثم بأقدام وَجِلة نهرب للخلف . لا أملكُ وقتاً لأحد ، لا للحب ، لا للوطن ، ولا حتى لنفسي . وقتي أبذره فقط هباءً في الكتابة .